الصحفيون وأزمتهم
محمد منير
كشفت الأحداث الأخيرة فى المجتمع الصحفى المصرى عن ملامح جديدة قد تفرض نفسها على نقابة الصحفيين خلال الفترة المقبلة وخاصة فيما يخص تشكيل مجلس النقابة والمزمع إجراء انتخابات تشكيله الجديد خلال الشهرين القادمين .
فعقب الضجة الُمبالغ فيها والتى اُثيرت حول تناول جريدة الدستور لخبر حول شائعة مرض الرئيس مبارك وإحالة رئيس تحريرها ابراهيم عيسى للمحاكمة ، ظهرت أصوات تطالب بتحميل المسئولية كاملة لمجلس نقابة الصحفيين الحالى بزعم عدم قدرته على محاسبة الصحفيين الخارجين عن ميثاق الشرف الصحفى ، وبصرف النظر عن كون تناول صحة رئيس الجمهورية من خلال خبر صحفى خروجاً عن ميثاق الشرف الصحفى أو عدم خروج ، وبصرف النظر عن المبالغة التى اُثيرت واُديرت بها المشكلة ، إلا أن الشاهد والمؤكد أن هناك اتجاهاً جديداً فى تعامل الحكومة مع نقابة الصحفيين والتى طلما ضاقت الحكومة بطبيعة مجالسها المتعاقبة والتى غالباً ماكانت تسيطر عليها عناصر سياسية مناهضة للحكومة وخاصة من الاخوان واليسارين .
عقب هذه المشاهد المبالغ فيها مع جريدة الدستور صدر حكم المحكمة ( بنفس القاضى الذى اُنتدب لإصدار حكم حبس مرتضى منصور والذى تجاوز الخطوط الحمراء مع بعض رموز الحكم ) ، بحبس أربعة رؤساء تحرير لمدة عام بتهمة إهانة رئيس الجمهورية وذلك بناء على بلاغ من محام مغمور ضد الاربعة .
أكد الحوار المفاجئ الذى اجراه الصحفى مصطفى بكرى رئيس تحرير جريدة الدستور مع الرئيس مبارك على هذا الاتجاه حيث دار الحوار كله حول محورين:
الاول :- إصرار مبارك على حرية الصحافة وعدم حبس أى صحفى بسبب ما يكتبه ، بل واقراره بحق الصحافة تناول شائعة تخص صحة رئيس الجمهورية .
الثانى :- انتقاده لنقابة الصحفيين التى لم تقم ( من وجهة نظره ) بمحاسبة الصحفيين الخارجين عن ميثاق الشرف الصحفى .
و بصرف النظر عن نية النظام فى التعامل مع الأزمة بطريق العفو الرئاسى عن رؤساء التحرير المحكوم عليهم أو بالتشدد وتنفيذ الأحكام فالقراءه البسيطة لهذا الحوار وللأحداث تؤكد عده حقائق :
الحقيقة الاولى.. أن الهدف من هذه المعركة ليس رؤساء التحرير الاربعة ولا رئيس تحرير الدستور فقط وانما الهدف هو التخلص من المعارضة المسيطرة على نقابة الصحفيين (بعد أن ضاقت الحكومة بأى معارضه لها مهما قل هامشها) ، وذلك بخلق أزمات مهنية تؤدى فى النهاية إما التمهيد الى انقلاب يقوده صحفيون موالون لها بحجة إصلاح النقابة ، أو وضع النقابة تحت الحراسة وربط كافة انشطتها المناهضة للحكومة وقصرها على الجانب الخدمى فقط .
الحقيقة الثانية ... أن الاسلوب الذى ادارت به الحكومة الازمة هو نفس الاسلوب الذى تعاملت به مسبقاً مع أزمة تعرضها لانتقادات حادة من خلال الفضائيات ، والتى فشلت فى السيطرة عليها بالأسلوب القمعى التقليدى ، فدفعت بعناصر موالية لها من خلال برامج موجهة فى التلفزيون المصرى تستهدف التشهير بالمعارضة واهانتها .
الحقيقة الثالثة .... أن طبيعة المشكلة مع نقابة الصحفيين استلزمت من الحكومة تعديلاً بسيطاً على خطتها الفضائية ، وهى الاستعانة بصحفيين مما أرتدوا فى فترة تاريخية ثوب المعارضة وذلك لإضفاء نوعاً من المصداقية على خطتها ، وساعدها على ذلك تفشى حالة من الاشتياق بين عدد من الصحفيين المعارضين لتبؤ مناصب قيادية فى الصحافة أو الحصول على امتيازات خاصة بعد هوجة الامتيازات التى منحتها الحكومة لرجالها من الصحفيين فى المؤسسات القومية والذى رأى المشتاقون انهم أولى بها من غيرهم ، بالاضافة الى حالة الافساد التى سادت المجتمع الصحفى فى الفترة الأخيرة بقيادة البعض من رجال الأعمال تحت مباركة الحكومة .. وهو ما يفسر اختيار مبارك لجريدة الأسبوع لإجراء حواره من خلالها كما انه أيضاً يفسر ظهور البعض من العناصر الصحفية المشتاقة من أصحاب الوجوه المعارضة فى البرامج الاخبارية المختلفة منددين بنقابة الصحفيين من خلال أحاديث جوفاء عن الحرية المسئولة وضوابط الديمقراطية وغيرها من الشعارات والتى هى نفسها الشعارات التى استخدمتها انظمة سابقة فى القائهم سنوات فى السجون .
ورغم اسلوب المواءمه التى حاول مجلس نقابة الصحفيين الحالى اتباعه طوال فترة قيادته للنقابة محاولاً التوازن بين التوجهات المعارضة للصحفيين وخاصة فيما يخص حرية التعبير وبين إرضاء النظام والحكومة وما استتبع هذا الأسلوب من سخط غالبية الجمعية العمومية ،إلا أن النظام لم يقبل هذا الحل الوسطى ووضع مجلس النقابة فى مأزق الالزام بتحديد المواقف وهو منهج شديد الصعوبة على قيادات المجلس الحالى والتى تجلت مهارتها طوال سنوات قيادة المجلس فى التوازن والتواؤم ...
تساؤلات كثيرة تفرض نفسها على المجتمع الصحفى... هل سيؤدى حصار الحكومة لمجلس نقابة الصحفيين الى انحيازه بوضوح الى مصالح الصحفيين وتخليه عن الموقف الوسطى أم الى مزيد من التهادن .. وما موقف الجمعية العمومية من الأزمة خلال الفترة المقبلة التى ستشهد انتخاب مجلس جديد ونقيب جديد للصحفيين ، وخاصة وأن الاصوات المرجحة للفوز فى انتخابات نقابة الصحفيين ليست هى أصوات النشطين طوال العام فى النقابة وانما هى أصوات الكتلة الصامته غير النشطة والتى تتحرك فقط فى الانتخابات بفعل القوة التى تسيطر عليها لحظة الانتخابات فلمن ستكون السيطرة على هذه الكتلة .
وما موقف الصحف المستقلة التى قادت دفة المعارضة فى السنوات الأخيره بعد أن تخلت معظم صحف المعارضة الرسمية عن دورها واتخذت موقفاً وسطياً يفوق وسطية النقابة ، وهل سيكون لها دوراً فى قيادة دفة المعارضة فى النقابة والتى سيطرت عليها الاتجاهات السياسية طوال الاعوام الماضية ، ام ستلقى بنفسها فى سباق المنافسة المشتاقة بين المعارضين الرسميين على رضاء الحكومة والتضحية بالنقابة .. الاجابة سوف تحمله الأيام القليلة المقبلة .. أما الحقيقة الواضحة أن هناك أزمة المسئول الرئيسى عنها الحالة التذبذبية والروح المناورتية التى سادت المجتمع السياسى والنقابى طوال السنوات الماضية ..والتى كانت بعيدة عن أصحاب المصلحة سواء من ابناء المهنة أو من المواطنين والذين فُرض عليهم موقف المشاهد غير المتأثر بالأحداث .
_________________________________________-
* صحفى مصرى
تعليقات