الكنيسة المصرية والنظام الحاكم .. هل من توافق ؟
محمود الزهيري
كيف تسمح الكنيسة المصرية لنفسها بالعمل ضد الديمقراطية ومصالح الشعب المصري بما يتبدي من تصريحات لرجالها في الصحف ووسائل الإعلام ؟
وهذا ما إستخلص من حديث الأنبا مرقس أسقف شبرا الخيمة بمحافظة القليوبية ورئيس لجنة الإعلام بالمجمع المقدس , وماصرح به في حواره لصحيفة المصري اليوم العدد 1561 بتاريخ 21 / 9 / 2008 , فقد أزعج العديد من الأوساط السياسية المهتمة بالشأن الوطني .
فما الذي صرح به الأنبا مرقس للمصري اليوم ؟
الأنبا مرقس قال في إجابته علي سؤال مؤداه : هل تتوقع أن يحكم مصر في يوم من الأيام قبطي ؟
وكانت إجابته مذهلة فكان المفترض أن تكون الإجابة بالنفي بسبب من مناخات الفساد والإستبداد السياسي , وقتل مناخ الحريات والديمقراطية وتذكية مناخ الفاشية الدينية المتدجنة بالفاشية الدينية , والمعادية للديمقراطية !!
وقال : لا يعنيني أن يحكم مصر قبطي أم مسلم ، المهم أن يكون صالحاً لحكم مصر، والرئيس مبارك هو الأفضل للحكم طوال تاريخه وقاد مصر إلي بر الأمان ويعمل بجدية لتصحيح أوضاع البلد .
ولكن الإجابة جاءت مؤسفة وتحمل في ظاهرها مضامين خطيرة أتت من رجل دين مصري وكأنه قد تنكر لتاريخ الكنيسة المصرية وكأنه في حالة تصالح تام مع النظام المصري ممثلاً في شخص مبارك الأب الذي وكأنه يريد له أن يكون مستبدلاً في صورة تخيلية بالإبن والروح القدس معاً حال كون فترة حكمه كما وصفه .
ولكن الأدهي والأمر أن يمجد الأنبا مرقس في مبارك الإبن حينما تم سؤاله :
وغير الرئيس مبارك هل توجد شخصيات مؤهلة علي الساحة السياسية حالياً ؟
أجاب :
لو أجريت انتخابات فأنا مع جمال مبارك لأنه رجل اقتصاد وتربي من صغره في بيت سياسي عريق ، وهذا رأي معظم أعضاء المجمع المقدس في السيد جمال مبارك لما يظهره من نشاط ووطنية .
ولا أدري كيف يكون معظم أعضاء المجمع المقدس هذا هو إختيارهم , والذي حتماً لابد وأن يكون مقدساً في إختيارهم لمبارك الإبن رئيساً لمصر خلفاً لأبيه مبارك الأب !!
وسؤال آخريليه :
* إذن أنت مع توريث الحكم ؟
ـ لا .. نحن ضد التوريث ومصر دولة حرة ولا يوجد فيها توريث ، أنا أؤيد جمال ضمن المرشحين كما حدث في الانتخابات الماضية مع الرئيس مبارك .
ولكن هذه القراءة البائسة للواقع والتي تزينه بالكذب في واقعنا المعاش والمتبدي منه سوء الأوضاع المعيشية والحياتية علي أقل تقدير .
ولكن ماهو الهدف من وراء هذه التصريحات الكنسية الصادرة علي لسان رجل دين مصري يفترض أن دوره محصور في الخدمة و الكهنوت الديني , وأنه لايمكن حسب معطيات الماضي وتبصر الواقع واستشراف المستقبل , أن تكون له حصص مستفادة من هذا النظام المصري مثل باقي التيارات الدينية في تحالفها معه .
فإذا كانت حصة التيار الديني الإسلامي وعلي الرأس منه حصة الإخوان المسلمين وتحالفهم السياسي مع نظام 23 يوليو 1952 واضحة بحكم وحدة الهدف ضد الديمقراطية وضد السلام وضد التعايش مع الحضارة المعاصرة وإذا كان شيخ الأزهر هو الذي يمجد في رئيسه المباشر , فإذا كانت حصص هذه الأطراف واضحة في العداء لحرية المصريين فماهي حصة الكنيسة من كعكة الشر هذه أم أن السيد المتحدث بإسم الكنيسة يري أن غرق المصريين في العبارات وتعذيبهم وقتلهم في مقارات الأمن وطوابير الخبز والبنزين وتزوير الإنتخابات وقانون الطوارئ , والركود حتي العفن في الاوضاع السياسية لمصر وسيطرة العصابات علي مقدرات مصر وانهيار دور مصر الإقليمي , وتآكل الوزن الأخلاقي للسلطة وإنهيار القضاء وتداعي وظائف الدولة , إذا كان المتحدث بإسم الكنيسة يري كل ذلك دستوري وقانوني وديمقراطي وأن هذا هو الإختيار الحر للمصريين , فإن عليه أن يقرأ سيرة السيد المسيح وتعاليم المسيحية من جديد , لأنه يبدو أنه قد أحب الصمت ولم يحب المسيح .
فهل من الممكن أن تكون حصة الكنيسة المصرية من هذا التحالف مزيداً من الإستيلاء علي أراضي الكنيسة لصالح النظام الحاكم , وآخرها أحداث دير أبو فانا والأعراب , وآخرها أحداث الإستيلاء علي كنيسة رشيد بواسطة مستشار وإبنيه وكلاء النيابة ومعهم مجموعة من البلطجية ؟
وهل الكنيسة المصرية تبارك السطو علي الحكم والسلطة بإنتخابات في ظل وجود سلطة الأب الذي عدل الدستور والقانون لتمرير مؤامرة التوريث هذه بأساليب إحتيالية ترقي إلي أعمال النصب السياسي والتزوير الدستوري بجعل مواده المزيفة في صورة مواد دستورية صحيحة ؟!!
وهل هناك مكاسب سياسية من وراء إخفاء الكنيسة المصرية لجرائم النظام المصري في حق الشعب المصري بمسيحيه ومسلميه , قرأنيه وبهائييه ونوبييه ؟!!
وماهو مكسب الكنيسة المصرية من إخفاء هذه الجرائم , ومثلها جريمة قرب الدم الملوثة , ومقتل المستشار محمد عزت العشماوي , وجريمة الدويقة ودفن المصريين تحت الأنقاض أحياء , وجريمة براءة صاحب العبارة ورفاقه , وجريمة مقتل سوزان تميم وما أحاط بها من تساؤلات لجماعات الأعمال القذرة و جرائم بيع الأراضي المصرية , وجريمة حريق مجلس الشوري , وجرائم الفتن الطائفية وجرائم العصابات المنظمة السارقة لمقدرات الوطن ؟
فماهي الجرائم التي أعجبت الكنيسة المصرية حتي توافق علي تمديد أو توريث الحكم داخل منظومة هذا النظام الحاكم لمصر بالحرمان والخوف والذي أحال مصر إلي جمهورية خوف ورعب حتي بات الإنسان المصري غير آمن علي حياته إذا صرح بجرائم هذا النظام في حق المصريين .
إن السطو علي السلطة بالتمديد أو بالتوريث أو بالإنتخابات المعدة سيناريوهاتها سلفاً والتي لايمكن أن يفوز فيها غير مبارك الإبن حتي ولو كان خصمه فيها هو ملك ملوك الجان , والتي مفادها ونتائجها النهائية المداراة علي جرائم النظام الحاكم ومحاولة إخفاؤها علي المجتمع الدولي في ظل تداعيات المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية .
فهل للكنيسة المصرية مكسب حيوي في إخفاء هذه الجرائم المرتكبة في حق المسيحيين المصريين في الأساس ومعهم المسلمين المصريين علي قدم المساواة ؟
وماهي الجرائم التي يمكن حصرها وتكون خارجة عن إطار وسيطرة النظام المصري الحاكم في مصر ؟
أعتقد أن هناك خلفيات ضاغطة وراء صورة هذه التصريحات التي مثلت جرس الفضيحة , ولم تمتثل لجرس النصيحة , فكان أن رفضها المجتمع المأزوم من جرائم النظام الحاكم في حقه .
ولكن هناك مفارقة بشأن هذه التصريحات الخاصة بشيخ الأزهر والمفتي بشأن الإستفتاءات علي منصب رئيس الجمهورية والإستفتاء علي التعديلالت الدستورية والإنتخابات التشريعية , ومعهم في سلة واحدة توريث الحكم للإبن أو تمديده للأب , وكانت تصريحاتهما متوافقة مع النظام الحاكم وتمثل الصدي لصوت النظام , ولكن الذي يصدر قراراً بتعيين شيخ الأزهر والمفتي هو رأس النظام المصري , وهو الذي يحيلهما للتقاعد بإرادته المنفردة , فإذا قال بذلك فهما قد قبلا من البداية أن يكونا الصدي الواسع لصوت النظام الحاكم , بل ولو خطب أحدهما الجمعة أو العيدين , لقام بالدعاء لرأس النظام المصري , طالباً من المولي عز وجل أن ينصره علي أعدائه من أهل المعارضة الملاعين أينما ثقفوا وولوا وجوههم , ولكن إذا كان الأنبا مرقس غير خاضع للتعيين أو الإقالة بواسطة النظام المصري في خدمته الكهنوتية بالكنيسة المصرية , فلماذا يدلي بهذه التصريحات الأزمة ؟!
وإلا فليقول لنا الأنباء مرقس ويخبرنا عما إذا كانت هناك ضغوطات نفسية أو بدنية واقعة عليه من جانب النظام المصري الحاكم , وماهي نوع هذه الضغوطات , وذلك درءاً للشائعات التي يراها البعض حقائق مما يهز صورة الكنيسة المصرية ويهز معها صورة الأشخاص الذين سيقفون بجانب مبارك الإبن في إستمرار معركة مبارك الأب مع المصريين والمتخاصمة مع الديمقراطية والعدالة الإجتماعية والحريات , والرافضة للتعايش الحضاري ؟!!
وإلا فالأمر يضطرني للتساؤل :
هل الكنيسة المصرية تريد أن تحيا مع الصليب , أو مع المسيح ؟
أو بمعني أدق :
هل الكنيسة المصرية تستعذب الألم والعذابات وتريد أن تستجلبهم للمجتمع المصري بفعل هذه التصريحات المحمولة علي شرائط التمديد والتوريث والمداراة علي جرائم النظام المصري , أم أنها مع المسيح الذي يحمل معاني العدالة والتسامح والفداء من أجل المجتمعات والشعوب في كل مكان علي وجه المعمورة أو المسكونة بروح المسيح ؟!!
محمود الزهيري
mahmoudelzohery@ yahoo.com
تعليقات