مؤتمرات الأقباط .. إلي أين؟
بقلم : أسامة حافظ

من قرابة قرن من الزمان وبالتحديد 1911 انعقد أول مؤتمر قبطي.. كانت فكرة المؤتمر أصلاً لبحث بعض الشئون الكنسية وحل المشكلات التي كانت قائمة بين العلمانيين والأكليروس في الكنيسة.. ثم وأثناء الإعداد لهذا المؤتمر قتل رئيس الوزراء المصري في ذلك الوقت بطرس باشا غالي جد د/ بطرس غالي وزير المالية الحالي.
ورغم أن القتل لم يكن طائفيا ً.. إذ أن القاتل لم يشر إلي دين المجني عليه في التحقيقات أدني إشارة وإنما تكلم عن مد امتياز قناة السويس وإبرام معاهدة السودان.. وغير ذلك من أسباب سياسية كانت دافعاً للقتل.. ولا علاقة لها بالطائفية من قريب أو بعيد.
ورغم ذلك فإن بعض قيادات الأقباط أصروا علي أن تتغير وجهة مؤتمرهم المزمع عقده إلي مؤتمر يبحث في مطالب الأقباط في مصر.
لم تكن الحكومة متجاوبة مع الفكرة.. ولكن دعاة المؤتمر هددوا باللجوء إلي الدول الأجنبية التي يحملون جنسيتها مع الجنسية المصرية ليعملوا المؤتمر تحت علمها.. وليفرضوا علي الحكومة الموافقة.. وتأمل قدم فكرة الاستقواء بالأجنبي من بعض هؤلاء.. فاضطرت الحكومة للاستجابة علي مضض.
أما البابا فقد كان رافضاً للفكرة أيضا ً.. وأصدر بياناً بها المعني ولكنهم أصروا وقدموا مطران أسيوط بدلاً من البابا لافتتاح المؤتمر.
أما القوي الوطنية فلم تعترض علي الفكر حماية لحرية الرأي.. حتى من عارضها منهم كفكرة مثل الحزب الوطني حزب مصطفي كامل فقد دعا إلي حق الأقباط في إقامة مؤتمرهم.
وهكذا عقد المؤتمر في أسيوط وتباري خطباؤه في الحديث عن مطالب الأقباط.. والتي لم تختلف كثيراً عما يطالبون به الآن من زيادة أعداد الكنائس وزيادة نسبتهم في الوظائف الحكومية وغير ذلك.. وهكذا انتهي المؤتمر.. وتحول إلي ورقة جديدة في دفاتر التاريخ.
وعادت في السنين الماضية فكرة مؤتمرات القبط للظهور بعد أن نسيها الناس.. ولكنها هذه المرة في بلاد المهجر ولأهداف أخري تختلف عن المؤتمر القديم.
ففي الوقت الذي دعي في المؤتمر القديم عدد من المصريين المهمومين بشئون الوطن لمناقشة مطالب الأقباط في إطار الحوار الوطني الداخلي اختلافاً أو اتفاقا ً.. فإن مؤتمرات هذه الأيام كانت لها أهداف أخري بالسعي لتدويل مشكلة الأقباط والدعوة للتدخل الخارجي الغربي للضغط علي الحكومة وابتزازها للحصول علي مكاسب لا يستحقونها أو لفرض رؤيا وأفكار علي الأغلبية المسلمة بدون وجه حق.
أقول هذا بمناسبة ما قيل من أن يوم 10/7/2009 سيشهد مؤتمراً قبطياً في العاصمة النمساوية لمناقشة ما يسمونه مشاكل الأقلية القبطية في مصر.
وقد وجه المؤتمرون الدعوة لعدد كبير مما يسمونها منظمات الأقباط في العالم "هي علي وجه التحديد كما ذكر مصدر أمني 51 منظمة - أكثرها عبارة عن مقر وجريدة إلكترونية أو ورقية وجهاز إداري لتلقي التبرعات والهبات والمساعدات وتنظيم المؤتمرات والدعوة للمظاهرات".. وإلي عدد من الصحفيين المصريين والعالميين والشخصيات العامة والقيادات السياسية الحالية والسابقة من ذوي الصلة والنفوذ والارتباط بدوائر التأثير في صنع القرارات بالغرب.
وكعادة مثل هذه المؤتمرات ستستغل بعض المشكلات والأحداث العارضة وقصص الحب والزواج بين المسلمين والنصارى لإصدار بيانات وخطب ملتهبة عن المذابح والاغتصاب والاضطهاد وما شابه ذلك.. ولا بأس من الدعوة للتظاهر مناصرة للقضية القبطية وتكرار المطالب المعتادة.
وأولها:- التدخل الخارجي لحماية الأقباط وإجابة مطالبهم.. وهي مطالب لا تخلو من مبالغة تهدف لابتزاز الدولة وتحقيق المزيد من المكاسب.. مع إثارة عواطف الحاضرين لمزيد من التبرعات والمساعدات المالية والإعلامية والسياسية.
أما علي الطرف الآخر فإن الإعلام بمجرد اقتراب موعد المؤتمر سيعلن الحرب علي هذه القلة المنحرفة المأجورة – كما يصفها الإعلام– وسيتهمها بالإساءة إلي سمعة مصر والإستقواء بالأجنبي والسعي لهدم الوحدة الوطنية.. ولا بأس من خطة أمنية لإفشال المؤتمر.. وإثارة الشقاق بين أفراده.. ثم ينتهي المؤتمر دون الوصول لحل أو نتيجة.
ولكن هل هذا هو السبيل لحل مشكلة القبط المزمنة.. وعلاج صداعها الدائم الذي يحل علينا كل حين؟
بداية:- ينبغي أن يشعر الجميع أننا في سفينة واحدة.. وأن احتراق تلك السفينة بفتنة بين راكبيها أو بتدخل خارجي سيحرق الجميع ولن ينجو منه هذا ولا ذاك.. هذا الإحساس إن وجد سيكون بداية الحل.. أما إن افتقدناه فينبغي أن نسعى لإيجاده.
ثانيا ً:- ينبغي أن يشعر الجميع أنه لن يحل مشاكل بلدنا إلا أهلها.. وأن أي طرف آخر سيكون له مصالحه الخاصة التي لن تتوافق مع مصالحنا.. بل قد تكون عكسها.. وأن تدخله إن لم يحقق له تلك المصالح فإنه لن يتم.
ثالثا ً:- إن أخطر ما تعاني منه مشكلة الأقباط هي سياسة الإقصاء والتخوين وإساءة الظن.. وأن أول طريق للحل أن يتفهم كل طرف ما عند الآخر من مشاكل ومخاوف ويدرك مراميه دون اتهام.
رابعا ً:- ينبغي أن يدرك الأقباط أن مشاكلهم هي بعض من مشاكل البلد المثقل بالأعباء.. وأن وضع الأمور في حجمها الطبيعي دون مبالغة وفي مكانها الطبيعي دون ابتزاز هو خطوة هامة علي طريق حل المشكلة.. وأن التضخيم والمبالغة وتحميل الأمور ما لا تحتمل هو أول العقبات في طريق الحل وإشاعة سوء الظن وعدم الثقة.
خامسا ً:- ينبغي أن يحصل حوار مجتمعي حول مشاكل الأقباط فيحل منها ما هو قابل للحل.. ويستبعد منها ما فيه مبالغة وتجاوز في إطار من حسن النوايا والثقة المتبادلة.. بعيداً عن المزايدة والتحريض.
سادسا ً:- لا بد أن يدرك الجميع أن الخطأ يرتكبه فرد أو مجموعة.. وأن عامة المجتمع المسلم أو القبطي ليس مطلوباً منه أن يتحمل مسئولية مرتكب ذلك الخطأ.. وإنما ينبغي أن يتحمل المخطئ وحده نتيجة خطئه.
سابعا ً:- لا بد أن يكون القانون هو الفيصل في حسم المشاكل وإيقاع العقوبات وتنفيذها دون مجاملة لطرف ودون خوف أيضاً من آثار تطبيقه.. وينبغي أن يلتزم الجميع احترامه وعدم الاعتراض عليه.. هذا أهم سبيل لبث الثقة وضبط الأمور بعيداً عن الإثارة والمزايدة.
وبعد..
هذه قواعد سريعة لصياغة صفحة من عقد اجتماعي بين الطرفين لحماية البلد من طوفان قد يؤدي إليه تجاهل المشكلة.. أو السعي في تسكينها دون حل جذري لها.
أما سياسة المؤتمرات خارج البلاد والضغط والابتزاز وسياسة التخوين والاتهام والإقصاء فإنها ستزيد الفجوة بين الطرفين.. ولن تنتهي إلا بالخسران لكل الأطراف.
شكر واجب
أشكر إخواني الكرام الذين شاركونا حزننا في اختنا الكريمة من قراء الموقع وكتابه ومديريه، واسأل الله أن يثيبهم خيرا على تعزيتهم وألا يفجعهم في حبيب لهم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة