توظيف الإستبداد للفاشية الدينية : دراسة

ماذا جني المجتمع المصري من المراجعات الفقهية التي أعدتها وجهزت لها الأجهزة الأمنية في حواراتها مع الجماعات الدينية الراديكالية , سوي أنها إستبدال أمراء الجهاد بأمراء الأمن في دور وظيفي تلعبه الأجهزة الأمنية فيما بينها وبين الجماعات الدينية الراديكالية , كان من ثماره أن تحولت تلك الجماعات إلي قيادة صامتة للمجتمع المصري , وفي حالة أخري مؤجلة تعلن عن نفسها بتكفير النظام وتكفير الدولة والمجتمع بالخروج عليهما بأعمال إجرامية إرهابية لاتروع إلا الفقراء والمهمشين الذين لايمتلكون من حطام الدنيا شيء , سوي أنهم أصبحوا فعلياً من حطام الدنيا ذاته !وتم تضييع المجتمع المصري بين فصيل يري التخطئة , وفصيل آخر يري التبرئة , في عودة للماضي البعيد الغير متوائم بمفاهيمه مع الواقع العصري المعاش , وسحب قضاياه ومحاولة فرضها علي واقعنا بمفاهيم الجماعات الدينية التي تروج لها أنظمة الإستبداد وترعاها , حتي يتخاصم المجتمع مع الحداثة والديمقراطية وقضايا التنمية والحريات , ويصبح المستفيد الأوحد هو النظام الحاكم فقط المشمولين برعايته !وفي مصر فوجيء المجتمع المصري بخروج الدولة المصرية علي المعاهدة الشبه مكتوبة , والنصف موثقة مع التيار السلفي الوهابي في محاولة لنقض هذه المعاهدة مع هذا التيار الذي يتوافق مع مثيله في المملكة العربية السعودية ذات الجذور الوهابية في توجهها الديني والتي غزت مصر بحزمة كبيرة من الأفكار الملتبسة بمجموعة من العقائد المدعي بإنها إسلامية ولاقت رواجاً كبيراً في أوساط المجتمع المصري الفقير والمأزوم إقتصادياً والمكبوت سياسياً في حالة من حالات التغييب القسري للسياسيين والمفكرين المصريين وإقصاؤهم عن الساحة السياسية والإجتماعية, سواء بشرائهم بجملة من مناصب الإدارة العليا في الدولة , أو تغييب بعضهم في السجون والمعتقلات , أو محاولة ترعيب الباقي منهم والتلويح بجملة من الجرائم يمكن إعدادها لهم حال كونها جرائم جاهزة ومعدة في قوائم إنتظار من تلبسه هذه الجرائم , وتكون ثوباً له في السجون والمعتقلات , وترك أبواب التطرف والإرهاب الديني مفتوحة علي مصراعيها , ولما لا والوثائق تؤكد هذا التحالف بين الدور الوظيفي للدولة المصرية والدور الوظيفي للجماعات الدينية في تحالف غير شريف يجمع بينهما للإجهاز علي المجتمع المصري وتفكيكه علي شرط إستمرار منظومة الطغيان والإستبداد بمقياس مضبوط علي المسطرة الدينية المغيبة لأي دور من أدوار التغيير أو علي أقل تقدير الإصلاح .وفي هذا يري الأستاذ أمين المهدي أن : كل الجماعات الوظيفية يحاول عدد من القوي السياسية إستغلالها وتحاول هي أيضاً أن تصبح فئة متميزة أو طبقة عليا , أو تحاول الوصول إلي الحكم كما حدث في إيران وأفغانستان والسودان , وكما تحاول في الجزائر ومصر .ومن الطبيعي أن لاتكون هناك جماعة وظيفية إسلامية واحدة , وإنما تصبح لكل مجتمع جماعة وظيفية دينية خاصة به , وتجمع الجماعات الوظيفية من بلد إلي آخربعض المشتركات الإيديولوجية والتراثية .وهذا ماجمع بين الجماعات الوظيفية الدينية في المملكة العربية السعودية ذات الفكر الوهابي , وبين الجماعات الدينية في مصر في محاولة التوحد معها حتي في رؤية هلال ذي الحجة وإعلان يوم عيد الأضحي , وكذاإفطار شهر رمضان وتوحدهما في عيد الفطر مخالفين الدولة المصرية وخارجين علي المجتمع المصري بسلوك ظاهر في معناه البساطة ولكن مبناه الحقيقي مؤسس علي رفض الدولة وخارج علي المجتمع ومن السهولة بمكان أن يُفَعِل عقيدة الولاء والبراء التي يبدأ تفعيلها في حالة تعبدية بسيطة يقوم بها غالبية المجتمع المصري , وفي حالى الإحتفال بعيد الأضحي وعيد الفطر علي الطريقة الخاصة بالجماعات الدينية الإسلامية الراديكالية متخذين من المملكة العربية السعودية إماماً ومرشداً لهم في تلك الأمور التعبدية ,والتي قد تتنامي في مفاهيمها إلي أدوار أخري تنتهي في الغالب إلي أن تتحول السلفية التعبدية المعتصمة بحدود النص الديني ووقائعه التاريخية الثابتة إلي سلفية جهادية قتالية محاربة للدولة والمجتمع علي أساس من المفاهيم الدينية الثابتة , في إشارة إلي مانشرته المصري اليوم العدد 1571 وهذا نصه : في الوقت الذي استجاب المصريون لإعلان دار الإفتاء أن أمس الثلاثاء كان المتمم لشهر رمضان المبارك، وذهبوا إلي أعمالهم أو جلسوا في بيوتهم صائمين ، كان مصريون آخرون من أعضاء مجموعات سلفية وجماعات إسلامية يحتفلون بعيد الفطر .هكذا انقسمت مصر بين كثرة صائمة وقلة مفطرة , مستندة إلي إعلان السعودية أن أمس غرة شوال ، وبث عدد من أعضاء الجماعات السلفية فتوي جواز الإفطار في عدد من المساجد علي اعتبار أن السعودية لديها علماء ثقات رأوا الهلال ، وينبغي علي المسلمين اتباع رؤيتهم ، وزادوا بالقول إن السياسة تدخلت في رؤية هلال شوال بما يضرب وحدة المسلمين .وقد يري البعض أن هذا الأمر يحمل قدراً من البساطة حال كونه يتعلق بالصيام والإفطار وهذه أمور تعبدية , إلا أنه يحمل مضامين دينية خطيرة وهذا قد يكون مؤشر خطر في أبعاده المستقبلية القريبة أو البعيدة إذ يمكن مع هذا النهج الذي تقوم به هذه الجماعات السلفية الوهابية , والجماعات الراديكالية الجهادية في تفعيل دورها المنوط به وتتحول السلفية الهاربة من الحياة إلي الماضي إلي سلفية جهادية تحمل السيف وتخرج به علي المجتمع وكذا الحال مع الجماعات الجهادية التي تري أن العنف مؤجل حسب فقه المرحلة المواتية بعد أن تعلمت من أخطائها في الماضي القريب وأثبت الواقع فشل هذا الخروج علي الدولة والمجتمع بالعمليات الإرهابية في تفعيل ظاهر لعقيدة الولاء والبراء .إلا أن مظاهر فك عري الوثاق بين النظام الحاكم في مصر والجماعات السلفية والمحاولة الانقلابية عليها كان لظروف إقتضتها المرحلة التي يمر بها النظام الحاكم في مصر , ومفادها راجع إلي تهميش دور جماعة الإخوان المسلمين صاحبة الدور الوظيفي بتاريخيته مع الأنظمة الحاكمة منذ النظام الملكي في مصر والتحالفات التي تمت في الماضي , وتحالفات الحاضر المعاش , وبعد أن بلع الإخوان الطٌعم في عام 2005 في الإنتخابات التشريعية التي حصدوا فيها 88 مقعداً بمجلس الشعب المصري بموافقة النظام المصري ذاته , وبالتوافق معه , حال كون هذا التوافق مرجعه الأساسي للتلويح به كورقة أمام الولايات المتحدة الأمريكية ودول الإتحاد الأوروبي أصحاب الدور في الضغط علي النظام المصري بملف الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان وحقوق الأقليات الدينية المهدرة ,فكأن الأمر مفاده في توجيه الرسالة للغرب : إذا تخلصنا من الإستبداد وعدنا للديمقراطية وحقوق الإنسان , فإن الصاعد لأعلي درجات السلم السياسي والإجتماعي هم هذا الفصيل الديني من الإخوان المسلمين !!وكان أن أدي الإخوان المسلمين الدور ببراعة فائقة بالتوافق مع النظام الحاكم في مصر لتعطيل الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان وتهميش الأقليات الدينية في مقابل مزعوم منهم مبني علي إتاحة الفرصة لنشر الدعوة الإسلامية بين الشعب المصري في فترة سوق الإنتخابات التشريعية من خلال التعريف بدعوة ومنهج الإخوان المسلمين وقادة الجماعة وعلي رأسهم حسن البنا الذي يمثل أعلي مرجعية دينية للجماعة والتي لاتخلو مناسبة إلا وكان إسم حسن البنا هو الحاضربسيرته وذكراه , الغائب بجسده وشخصه.وما أن تم إنتهاء الدور مرحلياً كان لابد من إعطاء الضوء الأخضر للتيارات السلفية في مواجهة تيار الإسلام السياسي ممثلاً في جماعة الإخوان المسلمين حتي يتم التشكيك في عقائدهم الدينية من خلال البحث عن قضايا دينية مصطنعة يتم الترويج لها مثال لذلك الأحكام التي يظهرها التيار السلفي عن حكم الإسلام في الإنتخابات ؟ ورأي الإسلام في الديمقراطية , وغير ذلك من القضايا التي تعطل مسيرة العمل الديمقراطي والتنموي من خلال الجماعات الدينية الوظيفية ومنها الإخوان المسلمين وعلي الرأس منها في هذا التعطيل الجماعات السلفية , ليكون الدور الوظيفي للتيارات الدينية قد تم بجدارة في الإبقاء علي منظومة الإستبداد والفساد ومؤسسات الطغيان .وقد التقط خيط التحالف بين النظام الحاكم في مصر وبين تلك التيارات السلفية الوهابية الأستاذ نبيل شرف الدين في عرضه بإيلاف بتاريخ 11 / 12 / 2008 ذاهباً إلي أن : حد توجيه أصابع الاتهام لدوائر رسمية بأنها وقفت خلف هذا الأمر، وهو ما فسره مراقبون بأنه يشكل مسعى منها لاستلهام التجربة السعودية والخليجية، بدعم الجماعات السلفية واستخدامها كأداة لضرب جماعة "الإخوان المسلمين" استناداً إلى عدة اعتبارات، منها أن هذا التيار مؤهل للمزايدة على الإخوان، لأن أنصار السلفية يذهبون إلى أبعد مدى في التمسك بمظاهر التدين الشكلية، كما لا يكترث أنصارها بفتاوى علماء الأزهر بل يسخرون منها ويسفهونها، ويحتكمون إلى آراء كبار مرجعيات السلفية مثل ابن عثيمين والألباني وغيرهما في أي مسألة فقهية أو عقدية قد تعنّ لهم .أحدث الرموز التي تدلل علي تدلل علي توظيف النظام المصري للفاشية الدينية , هو ماتبدي واضحاً وجلياً للعيان في قضية مروة الشربيني التي حولها النظام المصري لقضية شعبية / جماهيرية حمل لوائها من يوظفهم النظام المصري الذي يجتهد دائماً في إظهار الصورة القاتمة للشعب المصري , وتجسيده للعداء للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل ودول الإتحاد الأوروبي , علي أن الشعب / الجمهور المصري يعادي تلك الدول ويكن لها الحقد والكراهية وأنه هو الوحيد الذي يحافظ علي تلك الدول وأنه في حالة تفعيل الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان فلن يكون هناك بديلاً إلا هؤلاء الأعداء , وهذا ما تبدي في قضية مروة الشربيني التي حولها النظام المصري علي لسان الجمهور / الشعب المغيب حتي بمثقفيه ومفكريه , وهذا ما أعلنه أحد قادة جماعة الإخوان المسلمين حسبما نشر في المصري اليوم في عددها الصادر 23 / 7 / 2009 بعد أن نشرت علي لسان الفايننشال تايمز : إنه إذا كان لابد من دراسة افتراضات المسلمين بشأن اضطهادهم فى المجتمعات الغربية بعد حادث مقتل مروة الشربينى، فإنه ينبغى أيضا تقييم نقدى لردود أفعال المتظاهرين فى مصر تجاه الألمان وهتافاتهم بأن «الألمان أعداء الله» ووصف القتيلة بأنها «شهيدة الحجاب».واعتبرت الصحيفة فى تقرير لها، أمس الأول، أن المجتمع المصرى «ليس خاليا من العنصرية تجاه الآخرين»، موضحة أن «هناك آلافا من اللاجئين السودانين يعانون من السخرية بسبب لونهم، فضلا عن الاشتباكات الطائفية فى القرى المصرية التى بها أعداد كبيرة من المسلمين، حيث إن الأقباط يؤدون صلاتهم فى بيوتهم»إلي هنا وتنشر نفس الجريدة ماورد علي لسان الدكتور أحمد رامي ، ، عضو مجلس نقابة الصيادلة، القيادى بجامعة الإخوان المسلمين فى ندوة «موقف الغرب من الإسلام والمسلمين والحجاب» بمركز الدراسات الاشتراكية، أمس الأول، أن «أجهزة رسمية فى الدولة طلبت من النقابة والجماعة تصعيد قضية مروة الشربينى فى ألمانيا»، قائلا إن «الوزراء وكبار السياسيين الذين شاركوا فى تشييع جنازة الشهيدة استهدفوا استغلال القضية سياسياً، على الرغم من أن الحادث مجرد تصرف فردى».والذي أود التنويه عنه هل قضية مقتل مروة الشربيني في دريسدن بألمانيا تم توظيفها بالصورة التي تظهر عداء المصريين وكراهيتهم للألمان وللغرب بصفة عامة أم لا ؟!!وكان الأجدر بجماعة الإخوان المسلمين والنقابات المهنية والمثقفين والكتاب بجانب قضية مقتل مروة الشربيني التي وصفوها بشهيدة الحجاب علي وزن شهيد المحراب , أن يتضامنوا مع المدرس المصري منير سعيد حنا الذي ألف قصيدة مكتوبة بخط اليد رأي مؤيدي النظام الحاكم أنها تتهكم علي رأس النظام المصري مبارك الأب وقضي عليه بالحبس بأقصي عقوبة ثلاث سنوات حبس وكفالة مائة ألف جنيه , وبالرغم من تحصله علي حكم بالبراءة في الإستئناف , إلا أنه وحال كونه صعيدي , ومسيحي , ومن قرية تابعة لمركز مغاغة , وبالرغم من أنه موظف إلا أنه أدي دوراً من الجرأة والشجاعة لايستطيع أن ينهض به المثقفين والكتاب والمأجورين لدي السلطة والنظام من أدعياء الثقافة والفكر .منير سعيد حنا أدي عملاً لايوازيه أي كلام أو تفاهات من تفاهات المثقفين والمفكرين وأدعياء الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان , فهو بزغللته هذه زغلل وأوجع رموز الفساد والإستبداد والطغيان , الذين لايجرء أحد من المثقفين والمفكرين أن يقترب من دوائرهم بالنقض أو النقض , وإنما ديدنهم الوحيد هو الدفاع عن العلمانية , وأنهم ضد الوهابية فقط , مع أن النظام الحاكم ضد العلمانية ومتوائم مع الوهابية بتوظيفه لها توظيفات تخدم علي بقائه في الحكم والسلطة كتوظيفه لقضية مقتل مروة الشربيني !!فمن الذي تضامن مع منير سعيد حنا ؟!!إنها الأدوار القذرة التي تؤديها الجماعات الموظفة لصالح النظام بأجنحته الأمنية والدينية !!كان الأجدر أن يتم رفض كافة الجماعات الدينية بكافةأشكالها سواء كانت جماعات دينية إسلامية أو مسيحية , حفاظاً علي الدولة التي نريدها أن تكون مدنية , ويكون دور الدولة هو الناطق بلسان المجتمع , وليست الدولة هي التي تستنطق المجتمع بعبارات أو كلمات من عندياتها حسب مصلحة النظام الحاكم الذي يستخدم الجماعات الدينية ويوظفها لمصالحه الإستبدادية في الظلم والفساد والطغيان .خطورة الجماعات الدينية تبدأ تعبدية وتنتهي في واقع الأمر إلي جهادية قتالية مسلحة , كلغة فارضة ذاتها علي المجتمع لتتحول اللغة إلي فعل منتج في فرض أدواتها علي المجتمع بالعنف والإرهاب .
محمود الزهيري
mahmoudelzohery@yahoo.com

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صاحب القداسة - هالة المصرى