البابا بنيدكت يسير على خُطى الكاردينال " ليفبفريه" Lefebvre المحروم
نبيل شكري
"الضربات الأكثر إيلاماً هى تلك التى تأتينا من الداخل".، هذه الجملة التى قالها صديق مُهتم بالشأن القبطى هى التى عَبرت فى ذهنى أثناء سماعى خبر وثيقة نشرتها الكنيسة الكاثوليكية عُرفت بما يُسمى "كنيسة المسيح". و نعتت الوثيقة بقية الكنائس بأنهم "لا كنائس" –حسب الترجمة الحرفية- لإبتعادهم عن الإيمان و لعدم إمتلاكهم الحقيقة حسب ما أوردته الوثيقة. بالطبع أثار التصريح سخط كنائس أخرى عريقة كالكنيسة القبطية و الكنيسة البروتستانتية. بل إن تخاذل الفاتيكان فى الإعتذار و التوضيح فور صدور تلك الوثيقة أكد للجميع أن الفاتيكان و البابا بنيدكت يعنيان تماماً ما ورد بالوثيقة.
فى الحقيقة هذا ليس حال كل الكاثوليك فى العالم. ففور صدور الوثيقة التى عبرت عن شريحة من المتشددين الكاثوليك سارع المهتمين بالحوار بين الكنائس –من الكاثوليك الإصلاحيين- بغرض إتحادها بتوجيه إنتقادات لاذعة للكنيسة الكاثوليكية و للكرسى البابوى تتهمهم فيها بتبنى أفكار رجعية و متشددة
كانوا يظنوا أنها لن تخرج للنور مجدداً. يُذكر أن الفاتيكان فى فترة جلوس البابا يوحنا بولس كان قد قطع شوطاً كبيراً فى الحوار بين جميع الطوائف و أعتمد فى حواره على لغة الشركة بين الكنائس. نجد حالياً أن الكنيسة الكاثوليكية فى عهد البابا بنيدكت تأخذ منعطفاً أخر قد لا يُسهم بجدية فى التقارب بين الكنائس و المذاهب المسيحية.
من الإنتقادات التى وجهها الكاثوليك الإصلاحيين للبابا بنيدكت أنه يُعيد للأذهان تعاليم الكاردينال " ليفبفريه" الذى رفض كل بنود المجمع الفاتيكانى الذى أقيم بين 1962-1965 بهدف إلغاء بعض التقاليد و الطقوس التى أعتبرها البعض فى هذا الحين مبالغة. و تعمد " ليفبفريه" التمسك باللغة اللاتينية كلغة رسمية للقداس و رفض رفضاً قاطعاً أن يتم ترجمة القداس إلى لغات عدة تتناسب مع التغيرات الثقافية و الحضارية للشعوب و بالذات الأوروبية منها.
و من القرارات الخطيرة التى أتخذها البابا بنيدكت هو إعادة الصلاة بما يُسمى Messale Romano وهو القداس الذى تم العمل به بعد مجمع ترينتو Trento سنة 1570. أهمية هذا القداس الذى تم إلغاء طقسه من الكنيسة الكاثوليكية فيما عُرف بالأصلاح الطقسى أنه يحتوى على جمل قوية من عينة " Perfidi Giudei " و التى تعنى بالترجمة الحرفية "اليهود عظيمى الشر". و قد توقفت الكنيسة الكاثوليكية عن الصلاة بهذا القداس بعد المجمع الفاتيكانى غير أن الكاردينال " ليفبفريه" رفض جملةً و تفصيلاً قرارات المجمع مما أدى إلى حرمانه سنة 1988. جدير بالذكر أيضاً أن نفس الكاردينال نادى بفوقية الكنيسة الكاثوليكية و رفض أى أتصال أو حوار مع بقية الكنائس بالذات البروتوستانتية منها.
ما يدعونا للقلق من هذه التغيرات الجذرية فى سياسة الفاتيكان أتجاه بقية الكنائس فى المسكونة هى هذه الفوقية التى لا تدل أبداً على تعاليم المسيح ولا تتماشى مع وصية الكتاب. بل أنها تميل لتصادم قد يضع الحوار بين الكنائس فى مهب الريح و تحت رحمة قرارات غير مدروسة تم رفضها فى الماضى. فالوثيقة مخالفة لقرارات المجمع الفاتيكانى و إقصائية و قاسية على الكنائس الصغيرة ذات التاريخ العريق كالكنيسة القبطية على سبيل المثال.
المفاجئة فى الموضوع أن الوثيقة إستبعدت الكنيسة البطريكية الروسية أو اليونانية كممثلين عن الأرثوذكس فى العالم و أعتبرت الكنيستين الأكثر قرباً للـ"حقيقة" بعد الكنيسة الكاثوليكية. مما جعلنى أتعجب عن حقيقة ما يحدث بين الكنيسة القبطية و الفاتيكان و إن كان هناك صدام لا نعرف عنه شئ. فتذكرت على سبيل المثال أن الكنيسة الأرثوذكسية لم تُرسل وفد عالى المستوى للفاتيكان أثناء العزاء الذى أقيم للبابا يوحنا بولس الثانى بعد تنيحه و أقتصر التواجد الأرثوذكسى على وفود رفيعة المستوى من روسيا و اليونان و أثيوبيا.
أخيراً ، نرى فى الوثيقة الفاتيكانية خطوة للوراء قد تتسبب فى تراجع فى الحوار الكنسي القائم على التواضع و عدم التعالى. و نرى أن الكنيسة القبطية لا تجتهد فى التواصل مع الكنيسة الكاثوليكية بالقدر الذى يُرضى الشعب القبطى الذى يحتاج أكثر من أى وقت مضى للتواصل مع بقية الشعوب المسيحية. كذلك فأن موقف الفاتيكان من البروتوستانتية يتميز بالجمود و الصراع الغير معلن على كافة الأصعدة وهو أخر ما تحتاج أليه الشعوب المسيحية فى الوقت الحالى كذلك.
لنصلى من أجل وحدة الكنيسة.
تعليقات